مؤسسة الشرق الأوسط للنشر العلمي
عادةً ما يتم الرد في غضون خمس دقائق
تعتبر الثّورة التّونسيّة حدثا استثنائيّا هامّا في تاريخ تونس والوطن العربيّ والعالم، ذلك أنّها فتحت آفاقا جديدة أمام الإبداع والمبدعين بمختلف تخصّصاتهم. وهي تستحقّ أن تُخلَّدَ بأعمال فنّيّة وإبداعيّة راقية كالفنون التّشكيليّة، الَّتي شهدت نقلة نوعيّة تمثّلت في الانصراف عن الرّواية والخيال إلى معالجة الواقع المعيشي وتصويره والتأريخ له، من خلال إنتاج أعمال فنيّة متعدّدة ومتنوّعة (رسم زيتي، نحت، خزف، تصوير فوتوغرافي، وجرافيتي). تميّزت بمضمونها الاجتماعيّ والنّقديّ، تتّسم بأسلوب جديد في طرح مشاغل وقضايا المجتمع التُّونسي بنظرة حديثة وغير معهودة في تاريخ الممارسة التَّشكيليّة التّونسيّة. وبذالك أصبحت هذه التجربة الفنية المعاصرة مواكبة لكلّ تغيّر سياسيّ واجتماعيّ، بنظرة نقديّة عميقة وبنفس ثوري وشبابي، حيث ساهمت في تعرية الواقع التونسيّ من خلال طرحها لموضوعات إنسانيّة وواقعيّة ومن أهمّ هذه التجارب، تجربة الفنانة التشكيلية التّونسية "عائشة الفيلالي"، تجربة الفنانة المبدعة "نادية الجلاصي"، تجربة "نادية الخياري"، وهي تجارب فنية تُؤرّخ لثورة الكرامة، وتوثّق لما جرى على هامشها من أحداث بكلّ تفاصيلها، وخير مثال لذلك أعمال الجرافيتي لمجوعة الزواولة وأهل الكهف. وفي هذا الإطار بالذّات، تخيّرنا أن نقدّم الممارسة التشكيلية التُّونسيّة المُعاصرة علّنا نلامس، من خلالها أهمّ خاصّيات العمل التشكيلي لدى الفنان التّونسي، وذلك من خلال قراءة العديد من الأعمال الَّتي كانت وليدة الرّبيع العربيّ، والَّتي تعدّدت أفكارها واختلفت مضامينها في التَّعبير عن الواقع الاجتماعيّ. ففي هذه التّجربة التَّشكيليّة التُّونسيّة الجديدة، يقدّم الفنان التّونسي نموذجا ناضجا لفنّ السرد التشكيلي الذّي يدهش المتلقّي باكتمال إبداعه، وتماسك وحداته، وقدرته على تجديد وعي الإنسان بالواقع المعيشي، ولعلّ أهمّ ما تتميز به الممارسة التشكيلية التّونسية ما بعد الثّورة، نزوعها نحو التجريب وتمرّدها على الشكل التقليدي للممارسة الفنية. فكيف تتجلى مستويات النّقد الاجتماعيّ في الممارسة التَّشكيليّة التُّونسيّة المُعاصرة؟ وكيف تم تطويع الخطاب البصري التشكيلي كمادة للممارسة النقدية؟