مؤسسة الشرق الأوسط للنشر العلمي
عادةً ما يتم الرد في غضون خمس دقائق
تنطلق هذه الدراسة ل"بخلاء" الجاحظ، من أسئلة مركزية منها ما يتعلق بجدوى العودة للتراث بشكل عام وتراث الجاحظ بشكل خاص، ومنها ما يتعلق بالمنهج وبكفاية تلقي نص مخاتل خارج دائرة التصنيف الأرسطي، وذلك انطلاقا من ثقوب "عرض" مفترض في متن خبري شذري يتقاطع مبنى ومعنى مع إواليات نص فرجوي حديث. لهذا الغرض كان ديدنا بحثا مقاربة كتابة مراوحة بين المكتوب والمقول، وموصولة بمتلق مسرحي مفترض بدل المتلقي المنتظر تجييشه ضد الفرس، في أفق الانتقال ب"بخلاء" الجاحظ من سياق التداول الحجاجي إلى سياق التمسرح، هذا الأخير الذي عرف تحققه فرجة إكراهات عديدة، ابتداء من ضغط بلاغي راشح في حوارات/ "مقابسات" التوحيدي بين الجاحظ وأبي حنيفة في رسالة "تقريض الجاحظ "، وانتهاء بتشخيص معطل عند انتقال نوادر "البخلاء" إلى المقامات بفعل انحياز الهمذاني لابن المقفع ، نكاية في الجاحظ وفي المؤسسة الثقافية الحاضنة له، على الرغم مما بدا في مقامة نادرة خالد بن يزيد من استثمار الهمذاني لمشاهد حضر فيها نص "البخلاء" بقوة، مثلما حضرت أقنعة الخداع والتنكر. إذا كان هذا يتعلق بالتراث؛ فسيتوهج متن "البخلاء" في عرض "البساط" للمسرحي الطيب الصديقي، بناء على وعي هذا الأخير بإمكانات وصل ما انفصل بين "بخلاء" الجاحظ و"مقابسات" أبي حيان التوحيدي و"مقامات " الهمذاني ، بل والوصل بين الأدب والمسرح، انطلاقا من استثماره الناجح لاستطرادات الجاحظ وسجعه المفرط الذي سيتحول على لسان الصديقي مؤلفا وممثلا إلى تلاعب لغوي مسل. حيث سينصف الطيب الصديقي الجاحظ، كما سينصف التراث البلاغي والفرجوي المغبونين بمعيار الشعرية وبمعيار الأخلاق والإيديولوجيا، وقد أسعف كثيرا رهان الجاحظ على ارتحال شخوصه في المكان والزمان في نوادر "البخلاء" تنزيل الصديقي لمشروعه المسرحي التراثي بجمالية فنية وببلاغة لفظية بائنة.