مؤسسة الشرق الأوسط للنشر العلمي
عادةً ما يتم الرد في غضون خمس دقائق
يتناول هذا المقال النّقدَ الإبداعيّ في ظلّ الثّورة الرّقميّة المعاصرة، مستعرضًا بإيجاز مفهومَ النّقد من جذوره النّظريّة الكلاسيكيّة إلى رهاناته المعاصرة. وهو يهدف إلى فهم كيفيّة تأثير المنصّات الرّقميّة وأدوات الذّكاء الصّناعيّ في علاقة النّصّ بالقارئ، وفي دور المؤلّف، وفي إنتاج المعرفة النّقديّة بشكل عامّ. يسلّط هذا المقال الضّوء على تراجع النّقد الأدبيّ الكلاسيكيّ (المؤسّساتي) مقابل تنامي أشكال جديدة من النّقد على غرار "النّقد الشّعبيّ" و"النّقد الآليّ". فرغم أنّ النّقد الإبداعيّ التّقليديّ يمتلك مقوّماتٍ أساسيّةً من حيث التّوثيقُ والتّحليل الدّقيق والتّأويلُ الرّمزيُّ، فإنّه يواجه اليومَ تحدّياتٍ جديدةً فرضتها الوسائط الرّقميّة التي أعادت توزيع السّلطة بين النّاقد والجمهور وفتحت المجال أمام النّقد الشّعبيّ، فقد أضحت القراءات الجماعيّةُ والتّقييماتُ الرّقميّة مؤثّرةً في تحديد مكانة النّصوص. وتُعَدّ منصّة Goodreads نموذجًا لهذا النّوع الجديد من النّقد الذي أخذ يزاحم بقوّة النّقد الأكاديميّ ويفرض شرعيّته الخاصّة بما يمنحه للقارئ العاديّ من سلطة التّقييم والتّصنيف، وهو ما دفعنا إلى الاهتمام به بشكل خاصّ في هذا المقال. أمّا النّقد الآليّ، فإنّه مفيدٌ في تَتَبُّعِ الأنماط، الأساليب والمعطيات الكمّيّة بسرعة ودقّة، لكنّه يظلّ في حاجة إلى الفهم البشريّ للكشف عن أبعاد النّصِّ الجماليّة، الرّمزيّة، والتّاريخيّة التي تشكّل جوهر التّجربة الإبداعيّة. وقد أظهرت المقارنةُ الموجزةُ بين نقد الذّكاء الاصطناعيّ والقراءة النّقديّة البشريّة لقصيدة "لا تصالح" لأمل دنقل على سبيل المثال، أنّ أدواتِ النّقد الآليّ والوسائطَ الرّقميّةَ أوجدتْ ذائقةً جماعيّةً جديدةً تتحدّى معايير النّخبة النّقديّة التّقليديّة، لكنّ ذلك لا يلغي، ولا يُنقص من قيمة النّقد الجامعيِّ الذي لا يزال يحتفظ بدوره المحوريّ في إنتاج المعرفة، شرطَ أن يتكيّفَ مع أدواتِ التّحليل الرّقميّ، ويستوعبَ المشاركة الجماهيريّةَ دون فقدان الصّرامة الأكاديميّة. وعمومًا، يُظهر المقال أنّ النّقد الإبداعيَّ المعاصرَ أصبحَ ممارسةً متعدّدةَ المستوياتِ، تتكامل فيها القراءة الإنسانيّة، التّفاعل الجماهيريّ الرّقميّ، والتّحليل الآليّ، بما يضمن استمراريّة دوره في فهم الأدب والثّقافة الرّقميّة. وهذا التّكامل من شأنه أن يُتيح آفاقًا مستقبليّةً واسعةً لدراسة الأدب الرّقميّ، وتحليل التّفاعل بين النّصوص، القرّاء، المؤلّفين، والخوارزميّات، وهو ما يمثّل تحدّيًا معرفيًّا وثقافيًّا جديدًا للنّقد الأدبيّ.